کد مطلب:306614 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:159

قصة مؤلمة لکینتا الاسود


... واقتصر لك ایها القارئ الكریم مأساة الزنوج و عذابهم فی أمریكا بقصة واحد منهم اسمه (كینتا) (جد مؤلف كتاب جذور زنوج امیركا) الیكس هیلی «و هو الذی یروی لنا ذلك» و هذه القصة تمثل عذاب الملایین من الزنوج الذین جی بهم قهراً من اوطانهم و مسقط رؤوسهم.

.. هؤلاء السود الذین وهبهم اللَّه الحیاة احراراً كما وهب غیرهم متساویین ما بینهم، و جعل لهم حقوقاً غیر قابلة للتنازل عنها:حق الحیاة و حق الحریة، و حق البحث عن السعادة؛ لكن ظلم الانسان لاخیه الانسان و حیاة الغاب صیرهم عبیداً رقیقاً.

یقول الكاتب الامریكی الیكس هیلی عن جده:

.. ان اكثر من اربعة ملایین منهم قد حدث لهم ما حدث للشاب كینتا الذی تدور حوله قصة جذور.

لقد تلقی كینتا تدریباً قویاً علی المصارعة والقنص والقتال و كان قوی البنیة فارع القوام و سافر و هو صبی صغیر مع والده الی قریة عمه علی مسیرة اربعة أیام فی أرجاء افریقیا، ثم سافر مرة أخری عندما وصلت سنة الی السادسة عشرة واصطحب معه أخاه الامین فی رحلة بعیدة للبحث عن الذهب ثم وضع خططا


لزیارة مالی القدیمة والحج الی بیت اللَّه فی مكة المكرمة الا ان خططه هذه لم تحقق لانه ذهب ذات یوم عندما بلغت سنه السابعة عشرة الی غابة قریبة من قریته «جوفیور» لیقطع جذع شجرة لاستخدامه فی صنع طبلة خاصة به.. و كانت هذه الغابة آمنة و هو كثیراً ما ذهب الیها منفرداً او مع رفاقه فقلما تقترب الوحوش من الاماكن المطروقة بجوار القری ولكنه فی هذه المرة كان ینتظره فی تلك الغابة من هو أشرس من الوحوش الكاسرة.. كان یتربص به أربعة من الرجال: اثنان من السود و اثنان من البیض. و دخل فی معركة غیر متكافئة مع الرجال الاربعة و استطاع ان یفقأ عین أحدهم و لكنهم فی النهایة تغلبوا علیه بعد أن ضربوه بعصا غلیظة فوق رأسه الی أن غاب عن الوعی فأوثقوه و نقلوه فی قارب صغیر سری بهم فی النهر الی حیث تنتظر السفینة الكبیرة عند شاطئ المحیط.

و عندما أفاق وجد نفسه مكبلا بالاغلال و وجدهم یدفعونه الی مبنی یسمی «قلعة جیمس» التی كانت مرفأ لتلقی و تصدیرهم لامریكا. و فی داخل هذه القلعة كان هناك عدد كبیر من الشبان والصبیة والفتیات.. حیث كان یتم فحص اجسادهم ثم یقوم رجل اسود بكی ظهور هؤلاء الاولاد والبنات و یرمس علی كل ظهر هذه العلامة الغریبة: «ما. ما».

انها العلامة التی ترمز الی السفینة التی ستحملهم و اسمها «لورد لونجییه» و تحرق أسیاخ الحدید أجسادهم و یتعالی صراخهم الجنونی و یزداد جنونهم عند صب الماء المالح علی جروحهم. ثم حملوا هذا القطیع من الناس إلی السفینه والقوا بهم فی عنبر فی أسفلها.. الشبان فی مكان والنبات والاطفال فی مكان آخر.

و یمضی مؤلف «جذور» صفحات تلو صفحات یصف الرحلة و أهوالها


و یصف هؤلاء البحارة و هم یلهبون ظهور و أجساد هؤلاء الأسری السود بالسیاط بلا سبب معروف.

.. واقتربت السفینة من الشاطئ، و كانت تحمل مائة و اربعین عبداً.. و قد هلك من هؤلاء العبید اثنان و اربعین خلال الرحلة الطویلة الشاقة، و بقی ثمانیة و تسعون وقد قدر انه سیبیع الواحد منهم بستمائة دولار..

و كان امام السفینة یومان آخران قبل أن ترسو علی الشاطئ، فأخذ بحارتها الانجلیز، یعدون «البضائع» للعرض علی الزبائن الذین توافدوا، هم و زوجاتهم، الی الشاطئ لشراء ما یلزم للحقول من العبید، و للبیوت من الجواری.

واطلقت المیاه علی هؤلاء الرقیق تغسلهم غسلاً جیداً، ثم اخذوا یدهنونهم بأنواع من الزیوت تجعل جلودهم السوداء تلمع مثل الابنوس.. صحیح ان اجسامهم قد هزلت خلال رحلة استغرقت اكثر من أربعة شهور، قضوها فی عنابر لا تدخلها الشمس و لا یتجدد فیها الهواء، و صحیح ان الطعام طوال الرحلة كان سخیفاً و ردیئاً. و صحیح ان السیاط الهبت اجسام الاولاد والبنات و أسالت منها دما كثیراً.. و لكنهم اذا خرجوا الی ظهر السفینة و أمضوا النهار تحت الشمس الساطعة فی هذه الایام الحارة من أیام الخریف، فسوف تجری الدماء فی عروقهم مرة أخری، و سوف تنبض أجسامهم بالقوة والحیویة، و سوف یقبل علیهم المشترون.

و نزل العبید الی الشاطئ فی احدی موانئ الجنوب فی أمریكا، و سیق الشبان والفتیات فی صف طویل تربطهم بعاض ببعض حبال و سلاسل حول أیدیهم و أجسادهم العاریة.. و عرضوا واحداً واحداً علی الزبائن... فأخذوا یفحصون اجسامهم فحصاً جیداً.

و بدأ بیع العبید بالمزاد.


و عرض سمسار المزاد «كینتا».. و طلب من المشترین ان یتقدموا للمزاد، فهذه «قطعة افریقیة ممتازة».. فأخذوا یفحصون جسمه، و یفحصون اسنانه لیتأكدوا انه صبی مقدم علی سن الفتوة!.. و كان هناك اثنان من أعیان الریف و أصحاب المزارع، قد أعجبهما هذا الشاب الفارع القوی، فجری بینهما المزاد حتی وصل الی ثمانمائة و خمسین دولارا.. ثمن لم یسمع به من قبل!

و رسا المزاد علی مستر جون وولر المزارع الثری فی ولایة فرجینیا، فتسلم البضاعة راجیا الا یكون قد اندفع فی المزایدة و دفع هذا الثمن الباهظ. و لكن الولد الرنجی یبدو قیوا متینا و یساوی الثمن الذی دفع فی شرائه.. و شراء العبد استثمار طویل المدی علی كل حال، فسوف یكون له نسل كثیر من العبید و من الجواری، و سوف یكونون مثله قوة و متانة، و قدرة علی العمل الشاق، و علی الصبر الطویل.

و بدأ كینتا مرحلة جدیدة من حیاته فی بلاد عرف فیما بعد ان اسمها أمریكا.

و كان القانون ینظم هذا الاسترقاق و یحمیه و كان قانونا دستوریا استندت نصوصه الی الدستور الامریكی الذی قرر اقامة دولة حرة دیموقراطیة.. ولكنها كانت حرة و یدموقراطیة فیما یتعلق بالجنس الابیض فقط.. أما فیما یتعلق بالزنوج العبید فكانت أبعد شی ء من الحریة والدیموقراطیة.. فقد نص علی انه لا یجوز الغاء الرق قبل عام 1808 ای بعد حوالی ربع قرن من الاستقلال.. و هی الفترة التی قدروا انه من الضروری أن یستمر الرق قائماً خلالها حتی تبنی أمریكا اقتصادها الناشئ بسواعد الرقیق.. ولكنهم وجدوا انه كلما اتسع نطاق الاقتصاد الامریكی ازدادت حاجتهم الی استمرار الرق و الی استیراد المزید من الرقیق.. حتی بلغ عددهم اربعة ملایین نسمة.. بینما كان عدد السكان البیض فی ولایات


الجنوب التی یمارس فیها الرق ثمانیة ملایین.. أی كان العبید نصف عدد السكان و هی نسبة لم یبلغه الرقیق فی أی عصر أو فی أی مجتمع.

ولنعد الی كینتا..

لقد صمم كینتا منذ البدایة علی الهروب من مزرعة جون وولر الذی اشتراه و دفع فیه ثمنا سخیا.. و لكن لماذا یهرب و الی این یهرب؟ انه یعرف انه لن یعود الی اهله و قریته و قبیلته ابداً. فكثیرا ما سمع و هو فی افریقیا انه توجد هناك بلاد بعیدة جدا یملكها اناس بیض.. و هم یخطفون الاولاد والبنات من افریقیا.. و یحملونهم فی السفن الی تلك البلاد.. و ما ان تتحرك بهم السفینة بعیدا عن الشاطئ حتی یتحدث عنهم الناس مثلما یتحدثون عن الموتی.. بل ان الموتی یعرفون قبورهم.. اما الذین ذهبوا الی بلاد البیض فلن یعرف احد هل هم احیاء أو اموات.. و لن یسمع الناس عنهم ای شی ء أبداً.

ولكنه مع هذا یرید أن یهرب.. یرید أن یجری بعیداً فی أی اتجاه.. و أن یذهب الی أی مكان حتی و ان لم یجد أحد یتكلم معه، فكل من فیها من الناس یتكلم لغة غیر لغته، سواء كان أبیض أو أسود.. حتی هذا الاسود الذی یأتیه بالطعام قال له، و هو یشیر بیدیه و أصابعه: أنا أسمی شمشون.. و أنت اسمك توبی! و عندما بدأ یفهم انه اسمه صار توبی. غضب وثار وهاج.. انه اسمه كینتا.. و سیظل اسمه كینتا. و لن یستطیع أحد أن یغیر اسمه الذی اطلقه علیه ابوه، والذی نادته به أمه و اخوته.. و مهما فعلوا فلن یغیر اسمه، و لن یقبل هذا الاسم الغریب: توبی!

و قد فعلوا به كثیراً.. فكانوا یجلدونه.. لیقول ان اسمی توبی.. فیحتمل


الجلد صابرا، حتی یغمی علیه من شدة الالم.. فیستسلم، و یتمتم: توبی..

و حاول كینتا- أو توبی- الهروب ثلاث مرات، و فی كل مرة كانوا یكتشفون مكانه بمعاونة كلاب الصید، و دوریات من الافاقین البیض، فیقبضون علیه و یعیدونه الی سیده، بعد ان یتشقق جلده من ضرب السیاط.

اما فی المرة الاربعة، فقد عاد الی مزرعة سیده الذی نفذ صبره و قرر أن یفعل به ما كانوا یفعلونه بالزنوج الاشقیاء..

جاء رجلان من هؤلاء البیض الطوال الاقویاء، و معهما السیاط والقیود و بندقیتان.. و معهما شی ء آخر.. و ربطاه الی جذع الشجرة.. كما وجهه، و عصبا عینیه أیضاً.. و بدأ أحدهما یتحصص أجزاء من جسمه.. ثم لم یدر بعد هذا ما حدث له.. فقد صبا فی جوفه ماء له طعم غریب، و أغمی علیه و فقد وعیه، و ان كان قد أحس بالالم الفظیع عندما أمسك أحدهما بساقه فی عنف و شدة، و هوی الآخر بفأس حاد السلاح.. فبتر نصف قدمه الیمنی!

نصف القدم فقط.. لیستطیع بعد أن تنكمش القدم الی نصف حجمها ان یمشی.. و لكن لا یستطیع أن یجری.. و یهرب مرة أخری.

.. و رأی سیده انه لم یعد یصلح للعمل فی مزرعته، فباعه لاخیه، و كانت هناك امراة زنجیة تعمل فی بیت سیده الجدید، كان اسمها «بیل».

و بعد مرور عشرین عاماً علی اقامة كینتا فی هذه المزرعة تزوج من بیل وانجب منها طفلة اسماها «كیزی».

و كبرت كیزی و صارت بنتاً فی السادسة عشرة من عمرها.

و نزعت كیزی من ابیها و من أُمها و بیعت الی أحد تجار الرقیق.. و لم یرها كینتا منذ ذلك الیوم.. فقد اشتراها مزارع فی ولایة بعیدة، و هناك فی تلك


المزرعة فی ولایة كارولینا، القی صاحب المزرعة بنفسه علی البنت الزنجیة فجاءت بولد.. لم ین اسود و لم یكن ابیض.. بل كان لونه بنیاً، واسمه جورج [1] .


[1] مقدمة كتاب جذور ص 25.